تمر الكويت اليوم بمرحلة دقيقة وحرجة، إذ تتراكم فيها المؤشرات التي تنذر بخطر وجودي لا يمكن التقليل من شأنه. أبرز هذه المؤشرات ما يُعرف بـ”حملة سحب الجناسي”، والتي تُقدر بأكثر من خمسين ألف حالة ومرشحة للزيادة ، تشمل المواطنين وتوابعهم، في خطوة غير مسبوقة من حيث الحجم والتأثير. وقد تزامنت هذه الحملة مع تعديلات تشريعية خطيرة على قانون الجنسية، جعلت من المواطنة في الكويت في وضع هش ومرتبطة بمعايير فضفاضة، تُدار في الغالب بقرارات إدارية غير خاضعة لرقابة قضائية فاعلة.
إذا أعدنا قراءة التاريخ القريب، وتحديدًا في أثناء غزو العراق للكويت عام 1990، ، سنجد أن النظام السياسي حينها، قبل وقوع البلاد تحت الاحتلال !، لم يتجاوز في تعامله مع المواطنين حدود تعليق بعض مواد الدستور وتعليق عمل البرلمان، دون المساس بجوهر المواطنة أو ممارسة سحب واسع للجناسي. ، لذا كان التعويل الكبير على لحمة الكويتيين وانتمائهم الوطني، الذي شكّل الحصن الأول والأهم في استعادة الدولة، إلى جانب المعطيات الإقليمية والدولية التي خدمت الموقف الكويتي آنذاك والعاقل يعيي أن الوضع الإقليمي والدولي الراهن لا يخدم الدول الصغيرة في عدد السكان والحجم الجغرافي .
اليوم، المشهد يبدو مختلفًا ومقلقًا. هناك تفكك اجتماعي متسارع، وشعور متزايد لدى المواطن بأن الدولة لم تعد ملاذًا آمنًا، بل صارت تهدده في أساس انتمائه.
المواطن الكويتي لم يعد فقط يئن تحت وطأة الضغوط الاقتصادية، بل يرزح أيضًا تحت مناخ من الشك والتوجس والانقسام الاجتماعي والسياسي.
والمؤلم أن السلطة، عوضًا عن لعب دور المُهدئ، اختارت أن تغذي هذه الروح بخطاب إقصائي وتدابير استثنائية!
من الأمثلة الرمزية على هذا الانفصال بين الحُكم والشعب ما حدث مؤخرًا من تثمين قصر دسمان، وهو ما رآه كثيرون تفضيلًا فاضحًا للمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة!
البلاد تمر بحالة من التآكل المؤسسي، وافتقار متزايد إلى الثقة بين المواطن والدولة.
نحن بحاجة إلى حوار وطني شفاف وشامل!
قد يقول البعض إن مثل هذه الممارسات لا تزال تحت السيطرة، لكنّ التاريخ لا يرحم الغفلة! . التجربة البحرينية في 2011 تقدم إنذارًا واضحًا حول مآلات الأنظمة التي تستدعي التدخل الإقليمي على حساب الحوار الوطني، حيث تصبح السيادة مرهونة، والاستقلال مُعلّق، والشرعية محل تساؤل دائم.
إننا اليوم لا نكتب من منطلق المعاداة، بل من منطلق الحرص والخوف على الوطن .
نُناشد العقلاء من أبناء أسرة آل الصباح أن يُعيدوا الاعتبار للّحمة الوطنية، ويستمعوا إلى نبض الناس قبل أن يعلو الصراخ أو يحلّ الطوفان. فالشعوب هي السند الحقيقي للحُكم، والمصالحة ليست ضعفًا بل شجاعة.
ختامًا، ربما كان الكويتي في 1990 أكثر عزلة سياسيًا، لكنه كان أكثر تماسكًا معنويًا.
أما اليوم، فالوضع مقلوب: حرية خائفة، مواطنة مهددة، وانتماء هش. والنتيجة؟ هشاشة وطن.