انحدار أداء مجلس الأمة: بين ضياع الضمير والمبدأ
بقلم: (راعي العليا)
في بلدٍ كانت تجربته البرلمانية تُعدّ نموذجًا ديمقراطيًا في الخليج، تعيش الكويت اليوم حالة من الفراغ السياسي والتشريعي، بعد قرار إيقاف العمل ببعض مواد الدستور وحل مجلس الأمة، الأمر الذي أثار قلقًا واسعًا في الشارع الكويتي، وجدلاً متناميًا حول مستقبل الحياة الدستورية وموقع الإرادة الشعبية في رسم القرار السياسي.
ضياع الضمير والمبدأ قبل غياب المجلس
الأزمة لم تبدأ من قرار الحل، بل سبقتها سنوات من الأداء البرلماني المتراجع، حيث فقد مجلس الأمة في كثير من الأحيان دوره الرقابي والتشريعي الحقيقي. تحول المشهد إلى صراعات عبثية، ومواقف متقلبة، وقرارات خاضعة للمجاملات أكثر من ارتباطها بالمصلحة الوطنية.
غياب الضمير البرلماني والتراجع عن المبادئ، جعلا المواقف سلعة قابلة للتفاوض، والمقعد النيابي أداة وجاهة أو مكاسب شخصية، لا وسيلة خدمة عامة.
تدخل المتنفذين وبعض المستفيدين
ما يزيد من تعقيد المشهد هو الحديث المتزايد عن دور بعض المتنفذين وأصحاب المصالح في التأثير على مخرجات المجلس، سواء بالتأثير المباشر على بعض النواب أو عبر خلق بيئة سياسية تصب في مصلحة أطراف بعينها.
هذا التداخل يؤكد الحاجة إلى تحصين القرار البرلماني من التأثيرات غير الرسمية، وضمان أن تبقى مؤسسات الدولة خاضعة فقط لإرادة الشعب والقانون.
السبب الأعمق: خلل في الوعي الشعبي
ورغم كل ما ذُكر، لا يمكن تجاهل أن أحد أبرز أسباب تراجع أداء المجلس هو اختيارات الشعب ذاته. فالكثير من النواب لم يصلوا بالصدفة، بل عن طريق صناديق اقتراع اختار فيها البعض بناءً على اعتبارات لا تمت للكفاءة أو المبدأ بصلة.
من أبرز مظاهر هذا الخلل:
1. التصويت لمن ينتمي إلى نفس القبيلة أو الطائفة أو العائلة، بغض النظر عن مؤهلاته.
2. اختيار من يقدّم خدمات شخصية كالمعاملات والتعيينات والنقل الوظيفي، ولو بطرق غير مستحقة.
3. بيع الصوت مقابل المال أو الهدايا.
4. تجاهل المرشحين أصحاب الفكر والمبدأ، فقط لأنهم لا يجيدون لغة المجاملة ولا يملكون المال الكافي لصرفه على الحملات أو شراء الأصوات.
هذا النمط من الاختيارات أفرز مشهدًا نيابيًا هشًا، تغيب عنه الكفاءة ويحضر فيه النفوذ، ما يجعل بعض النواب عرضة للتأثير والضغط.
غياب المجلس ليس نهاية الأزمة
حل المجلس لا يعني بالضرورة نهاية الأزمة، بل هو انعكاس لحالة أعمق من الخلل السياسي والثقافي. وإذا لم يتم إصلاح الجذور، فستتكرر نفس المشاهد، وربما بأسوأ مما سبق.
الشعب هو الضمانة
الضمانة الحقيقية لأي نظام ديمقراطي هي وعي الناس، ونزاهة اختياراتهم، ورفضهم للمساومة على أصواتهم.
الديمقراطية تُبنى بالحوار والوعي، وتُصان بمشاركة الشعوب في صناعة القرار.
أما الدستور، فبقاؤه حيًّا وفاعلًا يتطلب مجتمعًا يحترم مبادئه ويتمسك بها في كل مرحلة من مراحل التحدي