حين يصمت الشارع… ويتخلّى عن صوته
بقلم: راعي العليا
في اللحظات المفصلية من تاريخ الشعوب، قيمة الشعوب تُقاس بمدى تمسّكها بحقوقها، واستعدادها للتضحية، ودعمها لمن دفع الثمن نيابة عنها… وأن التاريخ لا يرحم
اليوم، نشهد تراجعًا واضحًا في الموقف الشعبي تجاه من تصدّروا الصفوف دفاعًا عن الحرية، ليُعاقبوا بالسجن لا لأنهم ارتكبوا جرائم، بل لأنهم عبّروا عن رأي أو تبنّوا موقفًا سياسيًا منحازًا لكرامة المواطن.
المفارقة أن بعض هؤلاء المسجونين كانوا يومًا مرشحين انتخبهم الناس، وصوّتوا لهم، ووقفوا خلفهم في الحملات. ومع ذلك، عندما جاء وقت الاختبار الحقيقي – حين جرى سجنهم بسبب مواقفهم – خفتت الأصوات، واختفى الدعم، وساد الصمت.
هذا الصمت لا يمكن تفسيره كنوع من الحياد، بل يُقرأ سياسيًا كخذلان واضح. لأن السياسي الذي يدخل السجن بسبب دفاعه عن قضايا شعبه، لا يُسجن وحده؛ بل يُسجن معه المبدأ، وتُقيد معه الحرية.
ما يجري ليس محصورًا في أسماء أو حالات فردية. نحن أمام نمط مقلق من التعامل مع رموز سياسية واجهت السلطة بمواقف صريحة، ثم لم تجد من الشارع أي حماية سياسية أو حتى تضامن رمزي. وهذا النمط لا يؤذي الأفراد فقط، بل يضرب أساسات الديمقراطية، ويبعث برسالة مفادها أن المجتمع غير مستعد لحماية من يتحدث باسمه.
الديمقراطية، في جوهرها، ليست مجرد ممارسة انتخابية، بل ثقافة تحمّل مسؤولية الموقف. وإذا تخلى الناس عن من دفعوا ثمن مواقفهم، فإنهم يضعفون كل من سيأتي بعدهم، ويغلقون الباب أمام أي محاولات إصلاح أو مساءلة.
حين يصمت الشعب ويتخلى عن من دافع عنه، فإنه لا يتركهم وحدهم فقط، بل يفتح الباب لتمدد الظلم واتساع القمع. فالنظام الذي لا يواجه مقاومة شعبية حقيقية، يتمادى، ويحوّل القمع إلى سياسة ثابتة. ومن يتفرج اليوم على سجن غيره، سيجد نفسه غدًا في نفس الموقع، بلا صوت ولا سند، وقد تكون كرامته هو الثمن التالي
إن الحفاظ على حرية التعبير والكرامة الوطنية يبدأ من دعم من دفع الثمن عنّا جميعًا.
وإذا لم نقف الآن وقفة رجل واحد … أو نسقط إلى الأبد