القضاء المعصوم
بقلم أبو عبدالله X
منذ انقلاب "سموه" على الدستور ، و الجانب القبيح من النظام ينكشف يوماً بعد يوم للشعب، وأن غاية السلطة هي انها تريد صلاحيات مطلقة بلا قيد ولا محاسبة.
رغم أن أصحاب العقل و الرأي كانوا يعلمون أن الديمقراطية التي كانت تتمتع بها الكويت إلى ماقبل الانقلاب الأخير كانت ناقصة ولكنها بوابة لعل البلد يصل من خلالها لديموقراطية كاملة الأركان.
فكان من احد الاوجه القبيحة التي انكشفت عن استقلالية القضاء، فما نراه من محابة واضحة في قضايا سياسة و مالية، فان التعامل يعتمد من هم اطراف القضايا و مدى قربهم من سلطة الانقلاب أو مدى سخطها عليهم يحدد العقوبة .
و نتذكر مقولة المفكر الكبير الدكتور النفيسي " نحن لسنا دولة قانون، نحن دولة ، السلطة تستخدم فيها القانون متى ماكان في صالحها". فالاحكام التي سجنت السياسيين و الناشطين بسبب "كلمة" كشفت ان القضاء ماهو إلا ادارة تنفيذية لترجمة رغبات السلطة و تقديم العقوبات التي ترضي السلطة و تشفي غليلها من نفوس كل إنسان حر يرفض الانقلاب و القمع .
و نستذكر في مقالة سابقة لنا نشرت هنا بعنوان ( علل الدستور الكويتي وسبل حلها) حيث ذكرنا فيها ان السلطة او كما يصفهم الدكتور / محمد المطر بوصف ادق " فريق 65” ان هذا الفريق لايرغب في الدستور و عندما اكتشف الثغرات في الدستور استغلها مثل ثغرة الدفرسوار ، فجعل هذه الثغرات هي البوابة التي تعطل الحياة البرلمانية و تمنع الوصول إلى الديموقراطية الكاملة و الاستقرار الذي من خلاله سوف يتطور البلد و يزدهر.
فكانت من هذه الثغرات تحجيم السلطة القضائية وجعلها جزء من السلطة التنفيذية، فالقاضي لا يبدأ تعيينه إلا بقرار من وزير العدل في بداية السلك الوظيفي. ( سوف نفرد لاحقا مقالة عن مقارنة القضاء الكويتي و النيابة العامة مع القضاء في الدول الديمقراطية).
فعندما كانت السلطة تتباهي بالديمقراطية امام امريكا و الغرب ، كانت تقول لدينا برلمان منتخب و سلطة قضائية مستقلة و كانت السلطة تذود عن القضاة و افشلت سابقا منح القضاء الانفصال عن السلطة التنفيذية و كذلك منعت قانون مخاصمة القضاة و أسبغت عليهم صفة العصمة و انهم منزهين عن هفوات البشر و النفس البشرية، و عندما كان لدينا برلمان و الذي من خلاله تم كشف قضية " صالحي " و عدد القضاة المرتشين و التي لولا وجود البرلمان لما كشفت أصلا ، وعندما تم الانقلاب عاد القضاء إلى حجمه الطبيعي كإدارة حكومية تنفذ التعليمات دون النظر لمدى مطابقتها في القانون نصا أو روحاً.
و نقول لولا البرلمان لما كشف هذا الجانب المظلم من القضاء و القضاة، و المضحك المبكي ان القضاة الكويتيين تم كشفهم من خلال ارصدتهم البنكية، فكيف تضمن الحكومة عدم قبول القضاة و رجال النيابة المصرين للرشوة و خاصة انهم يستطيعون قبول الرشوة من خلال تحويلها لحساباتهم في مصر والتي هي بعيدة كل البعد عن صلاحية حكومة الكويت و لن تتعاون مصر معها بهذا الخصوص و كما حدث في قضية صالحي، فمصر لم تعيد القضاء المصريين المرتشين بالليل القاطع بهذه القضية، فكيف نضمن انها سوف تبلغ حكومة الكويت عن تضخم ارصدة القضاة الآخرين المعارين للكويت؟ هل يستطيع وزير العدل تقديم الضمان بهذا الامر.
وزير العدل الحالي لم يصل إلى درجة قاضي الاستئناف قبل المنصب الوزاري، ومع هذا قام بالغاء كشف المقبولين المتقدمين لوظيفة باحث قانوني التي من خلالها يصبح المتقدم اما من القضاة او وكلاء النيابة، مسببا قراره بوجود اخطاء بتجاوز آليه القبول منها نتائج غير صادقة و مخالفات جسيمة في عمل لجنة المقابلات ، فكيف يقبل رئيس مجلس القضاء و النائب العام هذه التهمة التي لو تم قياسها في ميزان القضاء فهي تهمة "قذف " تصم فاعلها بعدم الامانة ، فكيف يثق الناس برئيس مجلس قضاء و النائب العام اللذين يرى وزير العدل انهم كانوا متحيزين في قبول الواسطة على حساب الكفاءة.
بل زاد الطينة بله، ما كشفه الشيخ علي جابر العلي في تعليقه على قرار نيابة التمييز التي أبدت رأيها تأييد الطلب في دعوى مقامة من بعض القضاة حوّل إسترداد صرف الرواتب الاستثنائية لهم بعد ايقافها من قبل حكومة أحمد النواف لانها كانت تشكل نزيف في الميزانية العامة للدولة و انعدام مبدا العدالة لانه كانت مخصصة لعدد قليل من المستفيدين دون باقي الشعب، فحب المال صفة ذميمة و خاصة عندما يكون بشكل الاستماته على جـنّـيه و حب المال دليل على دناءة النفس، فكما هو معروف ان القضاة لديهم سن متاخر جدا في التقاعد حتى سن الخامسة و السبعون، فإذا كان القضاة الذين رفعوا دعوى الغاء الراتب الاستثنائي من المتقاعدين فحب بهذا السن كارثة أما كانوا قضاة على راس عملهم فالدعوى مشبوة بتعارض المصالح و التحيز و الإقرار انهم يعملون لصالح السلطة التنفيذية وليسوا اعضاء سلطة مستقلة.
و آخر فصولها المهازل هو خروج رئيس لجنة النظر في طعون قرارات سحب الجناسي ، ليفسر الماء بعد جهد بالماء، فكان يقرأ بيان مكتوباً له لا يليق ان يملى على مستشار بهذا العمر و الخبرة، بيان كانت كلماته لا تتفق لا مع صحيح القانون ولا روحه، فهو يقر ان دور اللجنة مجرد تنسخ قرار مجلس الوزراء بضرورة تقديم ما يثبت جدية طلب استعادة الجنسية السابقة للجنسية الكويتية، و المستشار المبجل يعلم ان قانون الكويت يمنع الإزدواجية، فكيف سوف يكتب راي بوجود خطا بسحب الجنسية إذا قدم صاحب التظلم ما يثبت انه بصدد الحصول على جنسية اخرى .
اللهم اعد لنا دستورنا، و امنحنا سلطة قضائية مستقلة حقه، و أجعل قضاتنا من فئة الثلث الأخير من الحديث الشريف.