تتردد في الشهور الأخيرة عبارات الإتهام الفضفاضة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية وبصفة خاصة جهاز أمن الدولة لملاحقة أصحاب الرأي من السياسيين والناشطين والكتاب لإرهابهم وتكميم افواهم أو التخلص منهم عبر سجنهم وتتكرر بشكل شبه يومي وهي " نشر أخبار كاذبة" و " التدخل في صلاحيات الأمير" و " قلب نظام الحكم" و" الأنتقاص من هيبة الدولة"… إلخ.
وكلها اتهامات لا توجد في قوانين الدول المؤسسات الديموقراطية الحقة وهي في الغالب مستوردة من قوانين مصر وسورية والعراق في حقبة الثورات والحكم العسكري في خمسينيات القرن الماضي والتي كانت أدوات التكميم والإضطهاد لمن يعبر عن رأيه أو يعارض قائد الإنقلاب العسكري الذي يحكم.. ولذلك لم يقترحها الفقية الدستوري عبدالرزاق السنهوري ورفاقه عند صياغة البنية القانونية والدستورية للكويت التي كانوا يرونها دولة برلمانية ديمقراطية بل جاء قانون أمن الدولة في عام 1970 وفي مجلس 1967 المزور.
هذه القوانين والإتهامات لا توجد في الدول العصرية ، فمثلا لو انتقد باحث او محلل اقتصادي كويتي يعمل في شركة او مركز بحثي في الولايات المتحدة او اوروبا صفقة بيع احد المستثمرين لحصته في بنك لم تلبي معايير الشفافية والحوكمة العالمية أو قال إن إعتماد الكويت على مصدر واحد للدخل سيؤدي إلى افلاسها على المدى البعيد فأنه معرض لتوجيه اتهام من أمن الدولة الكويتي بأنه أذاع أخبارا في الخارج تزعزع الإقتصاد الكويتي والثقة فيه وهو معرض للسجن لمدة اقصاها 3سنوات وغرامة تصل إلى 20 ألف دينار!!.. وإذا أدلى استاذ اكاديمي في ندوة عالمية او مركز بحثي أن دستور الكويت معطل فستوجه له تهمة جناية أمن الدولة وهي المساس بهيبة الدولة في الخارج وربما يترتب عليها امكانية سحب جنسيته حتى وإن كانت ب " التأسيس" وفق تعديلات قانون الجنسية الجديد " خدش الولاء للكويت " انها بالفعل دوامة لا تنتهي من القمع وتكميم الأفواه وحياة مرعبة الغرض منها البقاء منكمشا صامتا " جنب الطوفة" لتحصل على الراتب والقرض الإسكاني والجواز الأزرق!.
وعلى هذا المنوال يمكن لأي رأي يدلي به أي مواطن كويتي أن يصنفه "أمن الدولة" على إنه " إذاعة أخبار كاذبة" يترتب عليه أمر إلقاء قبض وإحضار او الإستدعاء من أمن الدولة دون وجود تعريف ومحددات ومرجعية واضحة لدى العامة عن ماهية " نشر أخبار كاذبة".
وبنفس الطريقة يتم التداول في شأن التدخل في صلاحيات أمير الدولة ، فمثلا التطرق إلى عملية تعيين ولي العهد وهو أمر يتم التصويت عليه في مجلس الأمة ( البرلمان) وهو عمليا " ندوة الشعب" او مقر نقاش الشعب عبر ممثليه المنتخبين فكيف يكون أمر مطروح للتصويت من نواب مرجعيتهم أصوات الشعب غير قابل للنقاش من الشعب؟!!.
وعمليا فأن كل مايجري في الدولة هو من اختصاصات وصلاحيات الأمير فمن يصدق على القوانين هو الأمير وعليه فأي نقد لأي قانون هو تدخل في صلاحياته!.. ومن يعيين قياديين الدولة عبر المراسيم هو الأمير فلذلك أي نقد لقيادي هو تدخل في صلاحياته.. وكل الأحكام القضائية تصدر بإسمه…إلخ.
عمليا ووفق قوانين أمن الدولة وحزمتها المرافقة من قوانين مثل الجرائم الإلكترونية واساءة استخدام الهاتف والمرئي والمسموع وخلافه نحن فعليا لسنا اطلاقا دولة ديمقراطية او كنا يوما كذلك .. نعم كنا دولة ديمقراطية " بكيفهم" عندما يقضون النظر ويلجمون جهاز أمن الدولة ولكن النظام فعليا كانوا يضعون المسدس على الطاولة ( قوانين امن الدولة وحزمته) ، وبهم كانوا قادرين في أي لحظة قلب الأمور رأسا على عقب في الدولة وهذا ما كان يحدث أحيانا في السنوات الخمسة عشر الأخيرة وأصبح نهجا لإدارة البلد في الشهور الأخيرة يستبد به بالناس ويلاحقهم بتصنيف التعبير عن الرأي كجناية يدفع الكثيرون ثمنها غاليا من حريتهم ومقدرات معيشتهم.