مقدمة
في العاشر من مايو 2024، اتخذ أمير الكويت قرارًا استثنائيًا بحل مجلس الأمة وتعليق عدد من مواد الدستور، بزعم “إنقاذ الدولة من شلل سياسي دائم”. وعلى الرغم من أن هذا القرار استُقبل من بعض الأوساط باعتباره تصحيحًا لمسار مضطرب، إلا أن طبيعته وأدواته تفتحان الباب واسعًا لنقاش دستوري وسياسي عميق حول مشروعية استخدام “الاستثناء” كوسيلة لتفكيك النظام الديمقراطي من داخله.
الدستور ليس طارئًا على الدولة
يُعد دستور 1962 في الكويت أقدم وثيقة دستورية في منطقة الخليج، وقد صيغ وفقًا لتوافق سياسي تاريخي بين الأمير والنواب المنتخبين آنذاك. وتعليق مواده لا يُعد مجرد خطوة إجرائية، بل هو ضرب في صميم العقد السياسي الذي قامت عليه الدولة الحديثة. حين تُعلَّق مواد الدستور، فإن شرعية الحكم نفسها تصبح محل سؤال.
وهم “الضرورة”
السلطة كثيرًا ما تستدعي خطاب “الضرورة” لتبرير إجراءات استثنائية، لكن التجربة السياسية العربية، بل والعالمية، تُظهر أن هذه الضرورة غالبًا ما تُستخدم كغطاء لتكريس الحكم الفردي. فالقول بأن الحياة السياسية مشلولة، وأن البرلمان يعرقل الإصلاح، لا يبرر تعليق قواعد اللعبة برمتها، بل يستوجب إصلاح آلياتها في إطار الدستور، لا خارجه.
ما بعد الاستثناء؟
أخطر ما في تعليق مواد الدستور ليس في الإجراء نفسه، بل في المناخ السياسي والفكري الذي يسمح بتمريره دون مقاومة جادة. فحين يُصبح الاستثناء قاعدة، ويتحول السكوت إلى رضى، تصبح العودة إلى المسار الديمقراطي مسألة خاضعة لمزاج السلطة لا لحق المجتمع. وهذا ما نراه اليوم في الترويج لمشروع “الأمير المصلح” الذي يتجاوز مؤسسات الدولة باسم كفاءته الشخصية أو رؤيته الإصلاحية.
الخاتمة
مر عام كامل على قرار تعليق الدستور، ولم تتضح بعد معالم “الإصلاح الموعود”. أما ما هو واضح، فهو أن الدستور لم يُعلق فقط كنص، بل كفكرة أيضاً. وإذا لم تواجه القوى السياسية والاجتماعية هذا المسار بانحياز واضح للديمقراطية، فإننا قد نشهد تحول الكويت من إمارة دستورية إلى إمارة مطلقة بحكم الأمر الواقع.