حين ألقى أمير الكويت خطابه في 10 مايو 2024، معلنًا حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، بدا وكأنه لا يكتفي بإدارة أزمة سياسية عابرة، بل يطرح رؤية جديدة للحكم، تنقل البلاد من منطق المشاركة إلى منطق التفويض المطلق. وقد مضى عام كامل على هذا الخطاب، دون مؤشرات حقيقية لعودة الحياة النيابية. فهل نحن أمام تحول من “إمارة دستورية” إلى جمهورية مستترة بعباءة الأمير؟
الخطاب كمؤسسة بديلة
في الأنظمة الديمقراطية، تُقاس السياسة بالأفعال والمؤسسات، أما في الأنظمة الفردية، فإن الخطاب ذاته يُصبح مؤسسة. وفي خطاب 10 مايو، رسم الأمير تصورًا كاملًا للوضع السياسي والاقتصادي في الكويت، واحتكر وحده حق التفسير والحكم والتنفيذ. لقد وُلد خطاب سياسي جديد يُقصي المجتمع والنواب، ويُقدم الأمير بوصفه المُشرّع والمُراقب والمُصلح معًا.
الجمهورية بدون جمهور
ما تعيشه الكويت اليوم ليس فقط تعليقًا للدستور، بل أيضًا تعليقًا للتمثيل السياسي. فحين تُدار الدولة من خلال قرارات فوقية، بلا برلمان، ولا مساءلة، ولا أحزاب، فإن البنية السياسية تُصبح أقرب إلى الجمهورية السلطوية منها إلى الإمارة الدستورية. الجمهورية هنا لا تعني انتخاب رئيس، بل تعني تمركزًا مطلقًا للسلطة التنفيذية في يد فرد واحد.
غياب المساءلة وتآكل المعنى العام
غياب مجلس الأمة لا يعني فقط فراغًا مؤسسيًا، بل أيضًا غيابًا للخطاب العمومي. لم تعد هناك قنوات مفتوحة للرقابة أو للاعتراض، ولا فضاء سياسي لمساءلة السياسات أو تقييم نتائجها. ومع كل خطوة جديدة تتخذها السلطة، تتعمق قناعة لدى المواطن بأن صوته لم يعد جزءًا من المعادلة، وهو ما يُنتج انسحابًا عامًا من الشأن العام، لصالح الخوف أو اللامبالاة.
قد لا تُشبه الكويت الشكل الكلاسيكي للجمهوريات العربية الشمولية، لكنها تتقاطع معها في الجوهر حين تُستبدل الإرادة الشعبية بالإرادة الفردية، ويُعلّق الدستور، وتُلغى آليات التوازن والتفويض. وبعد عام من هذا التحول، بات مشروع الأمير يبدو أقرب إلى الجمهورية المقنّعة، منه إلى التجديد الدستوري.